شهادة جيفري فيلتمان في الكونغرس الأميركي خلال جلسة استماع بتاريخ الثلاثاء 19-11-2019
شهادة جيفري فيلتمان (السفير الأميركي السابق)
ترجمة قناة المنار
متحدثاً عن ما يجري في بيروت، وطارحاً سؤال ماذا بعد بالنسبة إلى لبنان؟ قدم جيفري فيلتمان رؤيته عن ثورة لبنان أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، التابعة للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، معتبراً أن نتائج الاحتجاجات قد تؤثر على المصالح الأميركية بشكل إيجابي أو سلبي.
لبنان مهم للولايات المتحدة
لبنان الصغير يؤثر على المصالح الأميركية بطرق كبيرة. ولربما التأثير الأكثر وضوحاً هو تكريس إيران لدورها الإقليمي من خلال تصديرها الناجح لحزب الله بقدراته المتقدمة، التي تهدد إسرائيل وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، ان خطر قيام الجماعات المتطرفة السنّية وتنظيم القاعدة أو داعش بإنشاء معاقل في لبنان قد تراجعت، إلى حد كبير، وذلك بفضل الجهود المستمرة المثيرة للإعجاب التي بذلتها القوات المسلحة اللبنانية. ولكن ومن تجربة العراق، يمكن أن تتآكل هذه المكاسب بسرعة، مع التدخلات الدولية، وافتقار اليقظة المتواصلة.
يُظهر تاريخ حزب الله والجماعات الإرهابية السنّية بوضوح ضرورة وجود استقرار عام في لبنان: لقد استغلت إيران الحرب الأهلية في لبنان، والصراع الداخلي في عام 2003 في العراق، والحروب الأهلية الأخيرة في سوريا واليمن، لتأسيس جذور عميقة بات من الصعب القضاء عليها. وبعبارة أخرى، أصبحت الحروب الأهلية أدوات لتوسيع نفوذ إيران.
مكان للمنافسة الاستراتيجية
تنظر روسيا، إلى لبنان كمكان لمواصلة توسعها العدواني الإقليمي والمتوسطي. إذا استغلت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية (النفط والغاز)، سيعطي هذا انطباعاً بأن روسيا تفوز في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، على حساب الولايات المتحدة. ومع وجود أكثر من 400 مواطن صيني في اليونيفيل في جنوب لبنان، قد ترغب الصين أيضاً في استغلال موانئ لبنان وموقعه، وقد يجد اللبنانيون صعوبة في مقاومة تكنولوجيا 5G الصينية، بالنظر إلى الحالة المؤسفة لشبكات الاتصالات الحالية في لبنان.
سيسعى الرئيس السوري بشار الأسد أن يستعيد موقعه كوسيط قوي إقليمي من خلال عكس أحداث عام 2005. عندما أجبره مزيج من الاحتجاجات اللبنانية والضغط الدولي بقيادة الرئيس جورج بوش على إنهاء الاحتلال العسكري القمعي الذي استمر في لبنان لفترة طويلة. إن روسيا التي لم تكن راضية أبداً على تركيز الرئيس بوش على حرية لبنان، قد تكون سعيدة بتيسير استعادة الهيمنة السورية على جارتها الصغيرة، لانتزاع غطاء مناسب لأهدافها في هذا البلد الصغير. لذلك فإن لبنان يعتبر مكاناً للمنافسة الاستراتيجية العالمية. بحيث إذا تنازلت عنه الولايات المتحدة ستدخله دول أخرى بسعادة.
مع صلاتهم الدولية القوية، يطمح معظم اللبنانيين تقليدياً إلى الارتباط سياسياً وثقافياً واقتصادياً ومالياً بالغرب أكثر من إيران أو روسيا أو الصين. وهناك تقارب طبيعي بين معظم اللبنانيين والغرب يمكن أن يعمل لصالح واشنطن. لكن كمواطنين في بلد صغير ضعيف في منطقة خطرة، سيبحث اللبنانيون، وبطريقة غير عقلانية، عن شركاء خارجيين يمكن الاعتماد عليهم. وهنا، الولايات المتحدة بحاجة إلى لعب اللعبة الطويلة وعدم السماح لإيران أو سوريا أو الصين أو روسيا باستغلال غياب واشنطن.
الاحتجاجات في لبنان
تفوق أهمية الاحتجاجات الحالية في لبنان ما جرى في 14 آذار 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، لأن الشيعة انضموا إليها هذه المرة. ويركز المحتجون اليوم على القضايا المحلية كالوظائف، والنفايات، وخدمات المرافق وما إلى ذلك، والتي يمكن أن توحد اللبنانيين بدلاً من تقسيمهم.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لا تتعلق بالولايات المتحدة، فإن التظاهرات وردود الفعل عليها من جانب القادة والمؤسسات اللبنانية تتقاطع مع المصالح الأميركية. لطالما صوّر حزب الله نفسه على أنه “لا يقهر” و”نظيف” و”مناهض للمؤسسة” مقارنة بالأحزاب اللبنانية الأخرى. لقد قوضت خطابات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، للتشكيك في التظاهرات، صورة الحزب بحيث كان صداها السلبي أكثر فعالية من سنوات من الجهود الأميركية لتشويه سمعة الحزب.
دعا نصر الله إلى إنهاء التظاهرات؛ وطلب من المتظاهرين الشيعة العودة إلى ديارهم. البعض استجاب له، لكن معظمهم لم يفعل. لم يعد باستطاعة حزب الله أن يدّعي أنه “نظيف”، ومن حيث التصور العلني لدوره السياسي، فإن الحزب الآن قد ينحدر إلى كومة القمامة نفسها التي أحاطت بالأحزاب اللبنانية الأخرى المشبوهة.
التظاهرات الحالية تقوض بشكل بناء الشراكة بين حزب الله والتيار الوطني الحر. إذ يُعد جبران باسيل المهندس الأكثر مسؤولية عن قدرة الحزب على التظاهر بتمثيل حركة وطنية متعددة الطوائف وتجاوز أجندته الإيرانية والطائفية الضيقة. لقد فرض هذا التحالف قشرة من الغطاء المسيحي على حزب الله، وبالتالي أصبح الأداة الرئيسية لنفوذ الحزب المتوسع داخل المؤسسات الحكومية: وبالتالي لم يعد حزب الله مقيداً بـ”الحصة الشيعية” في النسب الطائفية اللبنانية، نظراً لأنه يمكن أن يعتمد على نصيب التيار المسيحي كذلك.
لطالما استغل باسيل القلق الصادق الذي تشعر به الولايات المتحدة ودول أخرى حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط على وجه التحديد، ليستثمر في هذا القلق ويُبعد الأنظار عن فساده وقضية الحزب. وقد أوضحت الاحتجاجات أن باسيل أصبح الآن تجسيداً لكل ما يثير غضب المتظاهرين. رغم كل ذلك يتمسك الحزب حتى الآن بتحالفه مع التيار الوطني الحر. لكن قيمة هذا التحالف قد انخفضت إلى حد كبير وتزيد من خيبة الأمل العامة تجاه الحزب.
الجيش اللبناني
لقد كان أداء الجيش اللبناني جيداً في الفترة الأخيرة. حدثت بعض المشاكل والتناقضات في رد فعل الجيش على الاحتجاجات، حين قام بحماية المتظاهرين في بيروت ضد بلطجية حزب الله وأمل، بينما بقيت الوحدات العسكرية في النبطية والجنوب على الحياد. لكن بشكل عام، تعاملت القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني) باحتراف وضبط النفس في الزوايا الأمنية والسياسية. وأُجبرت القوات المسلحة اللبنانية على العمل والمجازفة من دون أي توجيه سياسي متماسك أو غطاء من القيادة المدنية اللبنانية، ومع تهديدات مقنّعة من الحزب لقمع الاحتجاجات.
كان أداء القوات المسلحة اللبنانية رائعاً إذا ما قارناه برد فعل قوات الأمن العراقية أو المصرية أو السورية على المحتجين. ويمكن أن تكون القوات المسلحة اللبنانية مثالاً على كيف يمكن أن يبدأ الاحترام العام لمؤسسة وطنية مستقلة وقادرة وذات مصداقية في إزالة المشاعر الطائفية.
قد يتساءل البعض في واشنطن عما إذا كان على القوات المسلحة اللبنانية الآن الاستعداد لمواجهة الحزب ديناميكياً ونزع سلاحه بالقوة. ستكون هذه التساؤلات وصفة للحرب الأهلية، وكما ذُكر أعلاه، تميل إيران وعملائها إلى جانب تنظيم القاعدة إلى الازدهار في حالات الحرب الأهلية. نحن بحاجة إلى التفكير على المدى الطويل. بشكل عام، يعرف ضباط القوات المسلحة اللبنانية، مدى تحسُّن قدرات الجيش وكفاءته المهنية بفضل التدريب المستمر والمعدات الأميركية، وبدأ الشعب اللبناني يدرك ذلك أيضاً.
يجب أن ندرك أن علاقة القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله ليست قصة حب أبدية. يؤسفني أن أقول أن تجميد المساعدات الأميركية العسكرية للجيش اللبناني، الذي آمل أن يكون لفترة وجيزة، سيعطي الحزب وسوريا وإيران نقطة نقاش مريحة حول عدم موثوقية الولايات المتحدة.
الاقتصاد اللبناني المختل
بينما ركزت التظاهرات على القضايا العاجلة المتعلقة بالوظائف والنفايات والخدمات، إلا أنها تحدث في ظل أزمة مالية تلوح في الأفق. إذ يتأرجح لبنان منذ فترة طويلة على شفا كارثة مالية. وبسبب تشديد قيود التأشيرات على أوروبا والولايات المتحدة، وتراجع إمكانيات التوظيف في دول الخليج، فُقد المنفذ التقليدي للشباب اللبناني، الوظائف في الخارج (وربما الهجرة)، وقدرته على تحويل مبالغ كبيرة من العملة الصعبة إلى الاقتصاد اللبناني.
يمكن لخصخصة أصول الدولة، كالاتصالات والكهرباء أن تنتج إيرادات، وكذلك تحسين الخدمات على المدى الطويل. وبالتأكيد، فإن الحكومة الشفافة الموثوقة، يمكن أن تسهم في تحسينات اقتصادية. كما أن الاستثمارات الجديدة وعودة السائحين الخليجيين والشركات والودائع المالية ستحدث فرقاً كبيراً بلا شك.
ومع ذلك، فإن النجاح في جذب المستثمرين الغربيين ودول مجلس التعاون الخليجي سيظل بعيد المنال بغياب التغييرات الكبيرة. سوف يبحث المستثمرون الغربيون والخليجيون في أي مكان آخر عن الفرص إذا ظل اللبنانيون راضين عن كونهم جزءاً من ما يُعتبر المحور الإيراني-السوري، وما إذا كانوا يتسامحون مع الالتزام المتقطع بالشفافية وسيادة القانون. فالمستثمرون والسائحون لن يعودوا إلى لبنان بأعداد كبيرة طالما أن الحزب قادر على إشعال الحرب من دون العودة إلى الحكومة.
سيحتاج اللبنانيون أنفسهم إلى الاختيار بين الطريق المؤدي إلى الفقر الدائم أو الرخاء المحتمل، من خلال تحديد ما إذا كانوا سيستمرون في قبول الحكم الرديء إلى جانب الفيتو الفعال على القرارات الحكومية التي يصر عليها حزب الله. قد لا يتمكن الناخبون اللبنانيون من تجريد حزب الله من ترسانته بين عشية وضحاها ، لكن يمكنهم اغتنام الفرصة الانتخابية المقبلة لتجريد الحزب من الشركاء البرلمانيين الذين يستخدمهم لتأكيد إرادته السياسية: وهذا ما يفسر، الخط الأحمر الذي وضعه نصر الله على الانتخابات النيابية المبكرة.
الدعم بحذر
إن احتجاجات عام 2005، التي نجحت في إجبار الجيش السوري على مغادرة لبنان، تقدم درساً مهماً في المرحلة الحالية، تتمحور حول قيمة المبادرة المحلية المقترنة بالدعم الخارجي. وعلى سبيل المثال، لو كانت الولايات المتحدة وفرنسا قد ضغطتا قبل 14 عاماً كي ينسحب السوريين، وبقي اللبنانيون في منازلهم، لكان بإمكان نظام الأسد مقاومة الضغوط الخارجية. ولو أن الولايات المتحدة وفرنسا تجاهلت خروج اللبنانيون إلى الشوارع بأعداد هائلة، لسحق النظام السوري التظاهرات بالقوة. إن الجمع بين تجمهر اللبنانيين في الشوارع بأعداد هائلة واهتمام المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وفرنسا بقيادة الرئيس جاك شيراك، لم يعطِ السوريين خياراً سوى الخروج.
كما في عام 2005، يمكن أن يساعد الاهتمام المتواصل اليوم من قِبل الكونغرس والإدارة، ومن قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على حماية المتظاهرين. لكن التظاهرات لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، خصوصاً وأن المواطنين العاديين منهكين من التكاليف الاقتصادية للشلل القائم في البلاد. لذلك قد يُحدث الاهتمام الأميركي المستمر والاهتمام والرسائل فرقاً حيث يكافح اللبنانيون لتحديد كيفية تجاوز الاحتجاجات المحلية.
لن يكون من الحكمة التدخل مباشرةً في القرارات السياسية اللبنانية، والتي من شأنها أن تجعل من السهل على نصر الله (أو سوريا أو إيران أو روسيا) تشويه سمعة المتظاهرين ومطالبهم. كما يجب ألا يُنظر على أن الولايات المتحدة تفرض اختيار رئيس وزراء لبنان المقبل أو وزراء معينين في الحكومة؛ فتلك قرارات لبنانية حصرية.
بما أن مصالحنا الوطنية ومصالح حلفائنا الإقليميين ستتأثر بما يحدث في لبنان، فإننا نتحمل مسؤولية توضيح وجهات نظرنا من خلال عملنا وبكلماتنا. يستحق اللبنانيون أن يفهموا تماماً الآثار المترتبة على القرارات التي يتخذونها بشأن التعيينات والسياسات الحكومية.
الإفراج عن المساعدات العسكرية
كخطوة أولى، الإفراج بسرعة عن المساعدة العسكرية قيد المراجعة الآن. هذا من شأنه أن يضع الولايات المتحدة إلى جانب المؤسسات الوطنية ذات المصداقية. وفي الوقت الذي تتجه فيه شعبية الجيش اللبناني للتصاعد مقارنة بتراجع سمعة حزب الله، يمكن لواشنطن تعزيز قوة الدفع الإيجابية هذه. كما من شأن إطلاق المساعدة أن يقوض المحاولات المستمرة التي يقوم بها الحزب وإيران وسوريا وروسيا لجذب اللبنانيين إلى مداراتهم من خلال التشكيك في موثوقية الولايات المتحدة.
إن توقعات واشنطن بأن تقوم القوات المسلحة اللبنانية بتحسين كفاءتها المهنية واستعدادها قد تجلت بوضوح، من خلال تدابير مكافحة الإرهاب الناجحة والاستجابة المناسبة (في الغالب) للاحتجاجات. يمكن للولايات المتحدة أن تربط إطلاق المساعدات بإصرار على أن تبقى القوات المسلحة اللبنانية خارج السياسة وأن تعامل المتظاهرين السلميين باحترام متساو في جميع أنحاء البلاد.
القرار للشعب اللبناني
أوصي بأن يكون موقفنا واضحاً بأننا لا نريد أن نرى الانهيار المالي أو السياسي للبنان (خشية أن توفر الفوضى والحرب الأهلية المزيد من الفرص لإيران وسوريا وروسيا للتدخل) لكن قدرتنا على التدخل وحشد الدعم المالي والاقتصادي تعتمد على قرارات اللبنانيين أنفسهم، بما في ذلك تكوين الحكومة المقبلة وسياساتها. نعم، نحن على استعداد للوقوف إلى جانب لبنان، ولكن إذا كان يرغب اللبنانيون فعلاً في المضي قدماً.
إذا عالجت الحكومة اللبنانية مسائل الحكم والمساءلة ، فيمكن للمجتمع الدولي الاستجابة؛ أما إذا عادت الحكومة إلى “العمل كالمعتاد”، فلن نتمكن من حشد الدعم لمنع الانهيار. مع دعوة المتظاهرين إلى حكومة تكنوقراطية وليس حكومة سياسية، يمكن أن تؤكد رسالتنا العامة على توقعاتنا بأن حكومة لبنانية جديدة، إذا طلبت الدعم الدولي، ينبغي أن تعالج بشكل فعال وفوري تطلعات الإصلاح للشعب اللبناني.
يحتاج اللبنانيون الذين عاشوا لفترة طويلة بالرضا مع تناقض الهوية الذاتية مع الغرب بوجود حزب الله السياسي القوي، إلى فهم الآثار المترتبة على المسار الذي يختارونه. في الأزمات المالية السابقة اللبنانية، حولت دول الخليج العربية ودائعها بالعملات الأجنبية إلى البنك المركزي اللبناني بشكل مؤقت لدعم الاحتياطيات. هذا يمكن أن يتكرر. إذ يمكن للولايات المتحدة إلى جانب فرنسا وغيرها من الدول، قيادة التواصل مع المؤسسات المالية الدولية فيما يتعلق بدعم لبنان. ومع وجود الأشخاص المناسبين والسياسات المناسبة، قد تنفذ حكومة لبنانية جديدة في النهاية الإصلاحات التي قد تؤدي إلى إطلاق حزمة مساعدات بقيمة 11 مليار دولار تم الاتفاق في مؤتمر دولي في باريس عام 2018.
من شأن هذه التدابير أن توفر للمسؤولين اللبنانيين فترة راحة قصيرة، ولكن بالنظر إلى الماضي، فإن العبء يقع على كاهل المسؤولين اللبنانيين للتغلب على الشكوك المحلية والدولية، من خلال اختيار وجوه وسياسات ذات مصداقية لمجلس الوزراء المقبل.
سيؤدي استمرار المحسوبية والفساد إلى الانحلال المستمر، في حين أن الإصلاح والمساءلة والشفافية والاعتماد على المؤسسات الوطنية بدلاً من حزب الله يمكن أن يجتذب نوع الدعم الذي يؤدي إلى وجهة أفضل. وستمثل المؤسسات الحكومية الفعالة والشفافة في لبنان، أفضل حماية للمصالح الأميركية. من الممكن أن يتحقق هذا مع وجود الحكومة المناسبة في ظل الدعم الدولي المتجدد.
على مساحة تزيد قليلاً عن عشرة آلاف كيلومتر مربع، يُعتبر لبنان أصغر من مدينة نيويورك. يتجاوز عدد سكان نيويورك الكبرى 20 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان لبنان، بما في ذلك اللاجئون السوريون والفلسطينيون، أقل من 7 ملايين نسمة. وانطلاقاً من هذه المعطيات، ليس من الصعب توفير الكهرباء والانترنت وجمع النفايات للمواطنين اللبنانيين. ولا ينبغي أن تكون هذه الأمور مكلفة للغاية في ظل القيادة الصحيحة لجذب الدعم وتوجيه الوضع المالي في مسار أفضل. وتجدر الإشارة إلى أنالديون الخارجية للبنان بأكملها (حوالى 35 مليار دولار)، وهي تتماشى مع تقديرات ما تنفقه المملكة العربية السعودية كل عام على حرب اليمن (25-40 مليار دولار).
شهادة حنين غدار (باحثة وصحافية)
أشكركم على دعوتي للتحدث عن بلدي لبنان.
هذا مختصر لبيان أطول كنت قد قدمته الى جنابكم مسبقاً.
تتمحور المظاهرات حول الوضع الاقتصادي المنهار والفساد المستشري للطبقة الحالية الحاكمة. ولكنهم تحولوا الآن ليعارضوا عناوين أخرى كالنظام الطائفي.
سوء الوضع الاقتصادي المتدهور يتمظهر في أن الإحتياطي المالي الآن يثمن بأقل من 10 مليارات دولار والتي لا نتوقع أن تدوم لأكثر من 3 أو 4 أشهر على أبعد تقدير. فالإنهيار الاقتصادي متوقع.
وحدها حكومة تكنوقراط قد تحظى بثقة الشعب اللبناني وتسمح بالمساعدة الدولية لتأخذ مسارها. أما الحكومة الحالية المؤيدة لحزب الله بغالبيتها وبرئيسها الحالي لا يسمحون بذلك.
يقلق حزب الله من وجود حكومة تكنوقراط والتي ستكون أول خطوة لعزله.
نجاح المظاهرات يعني أن حزب الله سيخسر كيانات محددة والتي تدير عدد من المؤسسات التي تعنى بالقرارات الأمنية والاقتصادية.
وفي حين أن حزب الله يمر بأزمة مالية بفضل العقوبات الأميركية على إيران، كان رد حزب الله على المظاهرات هو التهديد والوعيد. ولكن لتفادي سيناريو العراق، قام حزب الله باستخدام تأثير عبر تطويع عدد من مؤسسات الدولة، وبالتحديد وحدات معينة من الجيش اللبناني، لقمع المظاهرات.
الى الآن، منحت الولايات المتحدة الجيش اللبناني هبة بملياري دولار منذ العام 2006، على شكل معدات عسكرية وتدريبات عسكرية دولية. هذه المساعدة هي النفوذ الأهم الذي تحظى به الولايات المتحدة في لبنان. ولكنها ليست ما يريده حزب الله بل السيطرة على القرارت الأمنية للجيش اللبناني. اليوم يقف الجيش على مفترق طرق، وعلى ثلاث قضايا مثيرة للجدل:
أولاً، انسحب الجيش من الجنوب والبقاع (وهي مناطق نفوذ حزب الله) ومن المفيد أخذ العلم بأن المجتمع الشيعي والذي يشكل جمهور الحزب قد انضم الى التظاهرات ما يجعل الحزب قلقاً من خسارته للقاعدة الشعبية. ومع تهديدهم للمتظاهرين، طلبوا من الجيش اللبناني التراجع. ثانياً، بدأ الجيش بفتح الطرقات عبر استخدام القوة وبضغط هائل من السلطة . ثالثاً، قامت فصائل ضمن الجيش اللبناني، معروفة بتابعيتها لحزب الله، بموجة واسعة من الاعتقالات التعسفية للمتظاهرين، بعضهم لا يزال قيد الاعتقال أما آخرون فقد تم اطلاق سراحهم ولكن مع وجود آثار للتعذيب على أجسادهم، وقد مات متظاهر. يمكنكم بوضوح ملاحظة التابعيات المتناقضة داخل وحدات الجيش اللبناني. على سبيل المثال فإن عدد من الاستخبارات العسكرية وأفراد الحرس الجمهوري يعملون على تطبيق أجندة حزب الله. ولكن ليس كل وحدات الجيش كذلك. هذه الأدوات نحن في أمس الحاجة اليها اذا تفاقم العنف وتداعت الأزمة الاقتصادية. فما الذي يمكن للولايات المتحدة فعله؟
حول مساعدات الجيش اللبناني
مواصلة الطلب من عناصر الجيش حماية المتظاهرين السلميين
يمكن للولايات المتحدة أن تقرن مساعداتها بالتعامل السلمي مع المتظاهرين وحث الجيش على حماية جميع المواطنين اللبنانيين، ومن ضمنهم الشيعة. لا يجب أن تحظى الوحدات التي استخدمت القوة مع المتظاهرين بالمساعدة الأميركية. ومن المفيد هنا أن لا تحظى بالمساعدة تلك الوحدات التي تنتهك حقوق الانسان.
وفي نهاية المطاف يمكن إعادة تصميم حزمة المساعدات العسكرية الخارجية بحد ذاتها. ففي حين أن أكبر تحد هو دفع رواتب للجيش فالدولة ستفلس قريباً، يمكن التأكد من أن المساعدات والمعدات لا تقع بالأيدي الخاطئة وتذهب الى بعض الوحدات الموثوقة في الجيش لحماية لبنان واللبنانيين من العنف الممارس من قبل بعض الوحدات الأخرى وحزب الله.
محلياُ، يجب ممارسة الضغط على الرئيس ميشال عون كي يدعو الى استشارات نيابية فورية وانتخابات مبكرة.
ويجب معاقبة حلفاء حزب الله فميشال عون، نبيه بري، جبران باسيل ليسوا فقط حلفاء حزب الله بل هم أهم الشخصيات الفاسدة في لبنان.
يجب أن يتم تحميلهم مسؤولية الأزمة الحالية وعدم الاستقرار.
على الصعيد الدولي، العمل جنباً الى جنب مع الأوروبيين بأن أي مساعدة مالية للبنان لا يجب منحها الا اذا تمت الدعوة الى انتخابات مبكرة وبدأت الاصلاحات والا فإن هذه المساعدات ستصل في نهاية المطاف الى حزب الله.
وأخيراً، الحد من العمليات الايرانية الاقليمية. فمروراً بالعراق ولبنان، أثبتت ايران انها ليست عاملاً للاستقرار. لذا فأي اتفاق مقبل مع إيران يجب أن يأخذ بعين الاعتبار وجودها القليمي وتأثيرها وأن قوة ايران هشة أكثر مما يمكن للمجتمع الدولي ملاحظته.
مداخلات حنين غدار
- مساعدة سيدر 8 والتي كانت مخصصة للبنان في 2018 يتناول العديد من الاصلاحات ومن ضمنها الاصلاحات في قطاع الكهرباء والتي تستهلك كم هائل من موازنة لبنان والمؤسسات العامة الملتهبة. كل الاصلاحات المطلوبة واضحة وتم ذكرها في مؤتمر سيدر. أعتقد أن المشكلة تكمن في أن الطبقة السياسية فاسدة الى حد أنها تستفيد من هذه القطاعات، فعلى سبيل المثال هو (حزب الله) يستخدم مؤسسات الدولة لتوظيف بعض مؤيديه وهم لا جدوى لعملهم هذا. هذه بعض الاصلاهات التي يمكن القيام بها. ولكن السلطات الحالية قد فشلت على هذا الصعيد ولا يمكنهم تنفيذ هذه الاصلاحات. سيدر 8 وال 11 مليار دولار مقرونون بتنفيذ هذه الاصلاحات.
- الرد الايراني يتماهى مع رد حزب الله بأن “هذه المظاهرات محقة في مطالبها ولكن تم اختراقها من قبل الموساد والاستخبارات الاميركية والغربيه لحرف مسارها، فلم تعد من أجل الاصلاحات بل محاربة المقاومة.. الخ”. فهي وقفت الى جانب السلطة ومن الملفت كيف تحول موقف حزب الله وايران فمنذ البداية قالوا ان الحكومة لا يمكن اسقاطها ولأول مرة أخطأ حزب الله فالحكومة استقالت. واول خطاب لحسن نصر الله كان داعماً للسلطات ضد المظاهرات. والخطاب الثاني لنصر الله أصبح هو السلطة ولهذا لأول مرة بدأنا نرى احتجاجات ضد شخص حسن نصر الله. والآن أصبح الأمر جلياً، فحزب الله يقف عائقاً ضد تشكيل حكومة. فرأي ايران وحزب الله واحداً وقد أصبح هو السلطة ضد المظاهرات.
- كما ذكرت في توصياتي يجب الحث على اقامة انتخابات مبكرة ومستقلة.
- هناك فرق كبير بين الجيش اللبناني ووحدة الاستخبارات فيها، الجيش يحظى باحترام الشعب على عكس الاستخبارات.
- لا قيادة للحراك كي يبقى آمناً وهو مختلف عن أي حراك سابق ويختلف عن 2005 بقيادة 14 آذار فهذه الثورة عفوية ومحض لبنانية وكل ما قدم أحدهم نفسه بأنه يمثل الحراك تم اسكاته فما يجب علينا فعله هو ابقاء هذه الثورة بدون قيادة فالهدف ليس المفاوضة مع السلطة بل اسقاطها. لا يمكن للمظاهرة منع الانهيار بل الضغط نحو الاصلاحات فالخطوة الاولى كانت اسقاط الحكومة، وفي انتخابات نقابة المحامين فاز المرشح المستقل لأول مرة لذا فالخطوة التالية هي عبر الانتخابات المبكرة على أساس قانون انتخابي لا طائفي ينتج مجلس نيابي وحكومة جديدة ورئيس جديد وهو ما يمكن دفع الأمور قدماً.
- لا أعتقد أن حزب الله سيمنع الجيش اللبناني من التدخل في حال حرب مع اسرائيل. حزب الله لا يحتاج الى قدرات الجيش القتالية ولا الى معداته فلديهم ما هو أكثر من ذلك. ما يريدونه من الجيش هو القرارات الأمنية والعسكرية ويحتاجون الى وصولهم الى
- ما أخشاه هو وجود شرخ بين وحدات الجيش اللبناني فحين يتداعى الوضع المعيشي أعتقد أن وحدات الجيش ستنقسم بين مؤيد لحزب الله ومعارض له. وحين ينهار الوضع الاقتصادي من سيدفع رواتب الجيش؟ فالمساعدات الأميركية ستكون بلا جدوى اذا لم يكن هناك معاشات.
- لقد تغير الكثير منذ الحرب الأهلية الى الآن والوضع اليوم مغاير لما كان عليه في السابق والجوهر اليوم يكمن في قانون انتخابي لاطائفي.
- تعريف الفساد هو سيطرة جهة معينة على مؤسسات الدولة وخلق مؤيدين لها بدل من مواطنين فيجب اليوم استعادة الوطنية والهوية القومية. واليوم الذي يصبح اللبنانيين فيه مواطنون بدل أن يكونوا محازبين سيهتز عرش النظام الفاسد. وهذا كيف سيطرت ايران على مؤسسات الدولة فحزب الله حمى المقربين منه وبالمقابل حظوا على التأييد فليس غريباً أن يكون حزب الله وبري وباسيل أكبر الفاسدين لذا يجب كبح جماح حزب الله.
شهادة كارلا حمود (محللة لشؤون الشرق الأوسط)
شكرا لرئيس اللجنة وأعضائها على دعوتكم للمشاركة بشهادتي حول الوضع في لبنان لصالح هيئة خدمات الأبحاث في الكونغرس الأميركي.
سأختصر كلامي بالحديث بشكل عام عن الأمور المحلية التي أدت إلى المظاهرات ، التحديات التي تواجه أطراف اللعبة الأساسيين في لبنان والأسئلة التي تتعلق بسياسة الولايات المتحدة.
استقالة سعد الحريري في 29 تشرين الأول بعد ما يقارب الأسبوعين على بدء تظاهرات عمت أرجاء البلاد، تعكس الصورة الجلية للتاريخ اللبناني.
الحركة عكست غضب الناس على ما يصفونه بفساد الحكومة وعدم كفاءتها وسوء الإدارة الإقتصادي.
المتظاهرون يشكون فشل الحكومة في تأمين الحاجات والخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء وجمع النفايات بالإضافة إلى الوصول العادل للوظائف وفرص التعليم
مطالب المتظاهرين تتضمن تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة، انتخابات نيابية مبكرة، قانون انتخاب جديد، استعادة ما يسمونه بالأموال المنهوبة وتغيير جذري لنظام الدولة السياسيي القائم على أساس طائفي.
يعتمد شكل الحراك على قرارات يتخذها أربع أطراف للعبة: المتظاهرون، القوى السياسيية، الجيش، وحزب الله.
يواجه المتظاهرون تحدي أن يبقوا زخم حراكهم وسط تأخير تشكيل الحكومة، ربما لأسابيع أو لأشهر. في حين أن لا قيادة للحراك حتى الآن، على المتظاهرين أن يقرروا ما إذا كانوا سيخاطرون بالإنقسام من خلال اختيار ممثلين عنهم للتفاوض مع الحكومة فيما يتعلق بأمور سياسية محددة. مع العلم أن لهذا القرار تداعيات محتملة وهي أن يصبحوا ذو تأثير أكبر.
القوى السياسية اللبنانية لديها مهمة أن تظهر بمظهر المستجيب للشكاوى الشعبية الواسعة، يقابلها رغبة بتجنب تقديم التنازلات التي من شأنها أن تقوض تمسكها بالسلطة بشكل كبير. قد يلجؤون أحيانا إلى خيار ركوب موجة الحراك، أو قد يحاولون أيضا تقسيمه من خلال استخدام مواليهم بهدف إحداث إضطراب وإرسال عناصر طائفية كما رأينا.
الجيش اللبناني عليه أن يوازن بين ضغط القوى السياسية من أجل فتح الطرقات الأساسية وبين سمعته كجهة محايدة تعتمد سياسة عدم التدخل في الخلافات السياسية.
حزب الله عبر عن دعمه لبعض مطالب المتظاهرين، في حين أنه عمل على المحافظة على الوضع السياسي القائم الذي يفيده. حزب الله كغيره من اللاعبين الأساسيين ليس بالضرورة أن يكون يعمل بشكل وحدوي في هذه الأزمة. بعض مناصري الحزب شاركوا بالتظاهرات في حين أن البعض الآخر انتشروا في الطرقات واستهدفوا المتظاهرين. حزب الله يسعى لتركيز الحديث على قضايا الفساد بعيدا عن أمور أساسية كحيازته للسلاح خارج سيطرة الدولة اللبنانية.
هؤلاء الأطراف يعملون في سياق يتعارض مع خلفية الأزمة الإقتصادية بالإضافة إلى خطر احتمال تخلف الحكومة عن سداد ديونها، ما يجعل الحاجة ملحة لعملية تشكيل حكومة جديدة. كل ما تقدم يثير أسئلة للولايات المتحدة حول الأهداف السياسية في لبنان والتي يجب عليها إعطاؤها الأولوية.
لقد حددت الإدارات الأميركية المتعاقبة عدة أهداف سياسية أساسية في لبنان وهذه تتضمن:
- خفض نفوذ حزب الله وإيران من خلال جهود تهدف لتقوية مؤسسات الدولة، وهذا يتضمن دعم الجيش اللبناني من أجل فرض سيطرة الدولة على مناطق نفوذه خصوصا في الجنوب.
- تعزيز الأمن على الحدود من خلال قدرات مكافحة الإرهاب في ظل امتداد الأزمة من سوريا وانتقال مقاتلي الدولة الإسلامية
- وأخيرا، حماية الاستقرار في لبنان، وتحديدا تجنيبه تداعيات وجود أكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيه حاليا
لقد خصص الكونغرس أموالا بهدف تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه، وهو أيضا يضع بعض القيود على الأموال الأميركية المخصصة للدعم لمنع إساءة استخدامها أو وصولها إلى حزب الله أو المجموعات الأخرى المصنفة كإرهابية.
حتى الآن، عمليات حزب الله التي تستهدف إسرائيل، وتسلل المسلحين السنة المتطرفين من سوريا، بالإضافة إلى التوترات الاجتماعية بين اللاجئين والسكان المحليين، هذه هي العوامل الأساسية لعدم الاستقرار في لبنان.
واليوم، يشكل الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام السياسي في لبنان عاملا جديدا.
في ظل الحالة الرخوة في لبنان، قد يطرح صانعو القرار في الولايات المتحدة أسئلة حول كيفية إحداث توازن بين تحقيق الإصلاحات في لبنان، المحافظة على استقراره، ومقارعة حزب الله، وكيفية تحديد الأولويات بين هذه الأهداف إذا لزم الأمر.
وبهذا أختم قراءتي الموجزة، اتطلع لأسئلتكم.
شهادة منى يعقوبيان (كبيرة المستشارين لشؤون سوريا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد السلام الأميركي)
حضرة الرئيس دويتش، العضو العالي الرتبة ويلسن وأعضاء اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط، شمال أفريقيا والإرهاب العالمي المنبثقة عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أشكركم على إتاحة الفرصة لي لأدلي بشهادتي حوول دلالات الإحتجاجات الحالية في لبنان. إن توقيت جلسة الإستماع هذه له أهمية خاصة نظراً للطبيعة الدرامية للإحتجاجات في لبنان والتحديات والفرص الممكنة التي تشكلها للمصالح الأمريكية.
أنا كبيرة المستشارين لشؤون سوريا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد السلام الأميركي، رغم أن الاراء المبينة هنا هي من خاصتي. وكان الكونغرس قد أسس معهد السلام الأميركي منذ أكثر من 35 سنة كمعهد وطني، مستقل وغير حزبي لمنع وحل النزاعات العنيفة في الخارج، وفقًا للمصالح والقيم الوطنية للولايات المتحدة.
لمحة عامة: منذ 17 تشرين الأول، يشهد لبنان احتجاجات تاريخية واسعة، جلبت أكثر من مليون شخص إلى الشوارع في جميع أنحاء البلاد. بعد أن أطلق شرارتها قرار حطومي بفرض ضريبة على إستعمال خدمة الرسائل الشهيرة واتساب، سرعان ما تحولت المظاهرات بهدوء إلى ثورة شعبية واسعة النطاق ضد نظام الحكم الطائفي والفاسد في لبنان. تم إلغاء الضريبة فوراً، لكن أُطلق العنان للإحباطات الشعبية عند اللبنانيين على مدار عقود من النظام الطائفي الذي تميز بالفساد المتفشي وسوء الإدارة والخدمات غير الكافية. تحت ضغط الاحتجاجات، استقال رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 تشرين الأول. يطالب المتظاهرون بحكومة تكنوقراط مستقلة، خطة إصلاح، تحسين الخدمات، قانون انتخابي جديد وانتخابات مبكرة. يطلق الكثيرون على الإحتجاجات ليس أقل من “ثورة”.
كارثة اقتصادية تلوح في الأفق: تأتي الانتفاضة السلمية (إلى حد كبير) وسط أزمة مالية متصاعدة في لبنان التي يمكن أن يؤدي إلى انهيار كامل للاقتصاد. بينما يتعجّب المراقبون منذ فترة طويلة من المرونة الأسطورية في لبنان، يبدو أن البلاد قد وصلت إلى لحظة الحساب. كانت الأضواء التحذيرية للاقتصاد تومض باللون الأحمر لبعض الوقت: لاحظ صندوق النقد الدولي نسبة نموٍّ تقارب الصفر (0.3٪) لعام 2018 ، مع توقع استمرار ضعف النمو لعام 2019. سبّب ركود الاقتصاد تصاعد البطالة، وخاصة بين الشباب. يُعد الدين بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من الأعلى في العالم، وعجزه المالي يتضخم مثقلاً بخدمة الدين العالية، والقطاع العام المنتفخ ،و سياسة دعم الكهرباء منذ فترة طويلة. وأدى تراجع ثقة المستثمر إلى انخفاض حاد في صافي تدفقات رأس المال. مجتمعة، أدت هذه الديناميات إلى نقص حاد في صرف العملات الأجنبية. وساهمت القيود المفروضة على عمليات سحب الودائع من البنوك والمخاوف بشأن الوقود، وحتى نقص الغذاء، في زيادة الشعور بالهلع. باختصار، لبنان على وشك انهيار اقتصادي كارثي.
الاحتجاجات الأخيرة في لبنان ليست ظاهرة جديدة. أدت ثورة الأرز في عام 2005 إلى إنهاء الاحتلال السوري للبنان بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. في الآونة الأخيرة ، عكست حملة “طلعت ريحتكن” في عام 2015 الاشمئزاز الشعبي من جبال النفايات غير المجمعة ، وهذا تذكير قوي بضعف أداء الحكومة اللبنانية وعجزها عن تقديم الخدمات الأساسية. و كما هو حال مظاهرات 2019 ، اتسمت الحالتان السابقتان باحتجاجات سلمية كبيرة تطالب بالتغيير.
مجموعة سوابق إيجابية. لكن الاحتجاجات الحالية تختلف عن تلك الجهود السابقة بطرق مهمة ومحددة للسوابق. إن هذه الديناميات مجتمعة ، تشرّب الحركة شعور الأمل، رغم وجود الخطر المحيط بها والذي يلوح في الأفق.
ضد الطائفية: تشمل جميع الطوائف (أي عابرة للطوائف) ، الاحتجاجات بالتأكيد ضد الطائفية. في السابق، كانت المصالح الطائفية تستولي على حركات الاحتجاج، مما أدى إلى زوالها أو إثارة استقطاب أكبر. حتى الآن ، رفض المتظاهرون بحزم الجهود الرامية إلى ضخ مطالب أو خطاب طائفي في الاحتجاجات. بل على العكس تماماً. العلم والنشيد اللبنانيين – الرمزان الرئيسيان للهوية الوطنية – هما السمة المميزة للمظاهرات الحالية. لقد سعى المتظاهرون إلى التواصل عابرين الانقسام الطائفي، متعهدين بالوحدة كلبنانيين ومطالبين بإنهاء النظام الطائفي في لبنان. في أحد الأمثلة البارزة، هتف المتظاهرون في طرابلس – حسب العديد من التقارير “مهد الثورة” – وهي مدينة ذات هيمنة سنية، دعماً لنظرائهم في صور والنبطية ، معقلَي الشيعة والتي يهيمن عليهما حزب الله وحركة أمل.
متنوعة جغرافيا: تستمر المسيرات والمظاهرات في جميع أنحاء لبنان ، من الشمال إلى الجنوب ، من وادي البقاع إلى الساحل. لقد شملت المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة. ونسّق المنظمون جهودهم في جميع أنحاء البلاد بطرق متنوعة. ففي أحد الأيام ، شكّل المتظاهرون سلسلة بشرية على طول البلاد، تجسّد تماماً الامتداد الجغرافي للحركة.
النساء والشباب في المقدمة. تلعب النساء دورًا كبيرًا في الاحتجاجات. غالبًا ما يلعبون دوراً مهماً فيقودون المسيرات والاعتصامات. في بعض الحالات ، شكلت النساء دوائر حول المتظاهرين الذكور لحمايتهم من الاعتقال. ويبرز الطلاب أيضًا في الاحتجاجات، حيث ينظمون مع الأساتذة محاضرات ضمن الإحتجاج ويغذون الحركة بالديناميكية والطاقة.
الانخراط المدني: يتردد صدى أنماط المشاركة المدنية في الاحتجاجات. توجد دوائر النقاش والمناظرات حول مجموعة واسعة من القضايا يومياَ في جميع أنحاء البلاد. يتطوع الأطباء والمحامون بخدماتهم للمحتاجين. تم إعداد مطبخ حساء في وسط بيروت. تُعد منافذ الوسائط الاجتماعية والاجتماعية المستقلة بمثابة شيك على وسائل الإعلام الرئيسية ، مما يضمن المزيد من التعبير المفتوح. قام النشطاء عبر الإنترنت بإنشاء “دليل للثورة”. وسائل الإعلام الإجتماعي والمستقل تراقب وسائل الإعلام الرئيسية مما يضمن المزيد من حرية التعبير. وقام النشطاء عبر الإنترنت بإنشاء “دليل للثورة”.
أين يتجه لبنان؟ أعطى التفاؤل المبكر بالاحتجاجات الطريق للمخاوف بشأن تكشّف سيناريوهات أكثر قتامة. ديناميتان خطرتان تلوحان في الأفق – إذا لم يتم السيطرة عليها – يمكن أن تُغرق لبنان بسرعة في حالة من الفوضى والعنف على نطاق واسع:
الانهيار المالي الوشيك: على الرغم من إلحاح الأزمة المالية في لبنان ، لم تتخذ الحكومة إجراءات مهمة بعد. تستمر الأوضاع بالتدهور دون أي إشارة إلى أن حكومة تصريف الأعمال تتخذ أيًا من التدابير اللازمة للبدء باستعادة الثقة وتجنب الانهيار المالي. ويؤدي الفشل في معالجة قضايا الديون والسيولة المتزايدة الحدة إلى زيادة المخاوف بشأن التخلف عن سداد الديون، وإفلاس النظام المصرفي، وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير. حتى في أفضل الحالات، ستعاني الطبقات الوسطى والدنيا من عواقب التكيف الاقتصادي المؤلم. وفي أسوأ الحالات، سيشهد لبنان انهيارًا اقتصاديًا سيتترجم بسرعة كابوساً أمنياً.
لاحتجاجات تتحول إلى العنف: حتى الآن، ظلت المظاهرات سلمية بشكل ملحوظ على الرغم من الجهود التي بذلتها عناصر أكثر قتامة للتحريض وتحويل الاحتجاجات لتصبح عنيفة. بالنسبة للجزء الاكبر، لقد تصرفت قوات الأمن اللبنانية بضبط النفس. فسمحت للمتظاهرين بالتنظيم وإقامة المسيرات والتظاهر بلا قيود. ومع ذلك ، في 12 تشرين الثاني ، جاءت أول حالة وفاة في المظاهرات بعد أن أطلق جندي النار على متظاهر عند نقطة إغلاق طريق. تم اعتقال الجندي، وفتح الجيش على الفور تحقيقًا في الحادث. وفي ظل التوتر الشديد، يعد الحادث بمثابة تذكير صارخ بالسرعة التي يمكن أن تتحول بها المظاهرات إلى العنف.
الأمر الأكثر غموضًا وإثارةً للقلق هو ظهور البلطجية المسلحين بالسكاكين أو البنادق في بعض الاحتجاجات. يتم الإبلاغ عن هذه الحوادث بشكل متزايد في جنوب لبنان حيث ورد أن مسلحين ينتمون إلى أمل هددوا المتظاهرين السلميين بالقرب من صور. كما ورد أن أنصار حزب الله قد هددوا المتظاهرين في الجنوب. وتشير تقارير أخرى إلى وجود عناصر مرتبطة بالرئيس اللبناني ميشال عون وحركته الوطنية الحرة قد وصفت أسلحة بل أطلقت نيرانها على المتظاهرين. أي من هذه الحوادث يمكن أن تثير المزيد من العنف. ماضي لبنان مليء بأمثلة عن المناوشات الصغيرة التي تصاعدت بسرعة الاضطرابات الواسعة الانتشار.
الدلالات المرتبطة بسياسة الولايات المتحدة
تحمل اللحظة الثورية في لبنان دلالات مهمة بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأمريكي التي تؤكد على الحفاظ على الأمن والاستقرار في مواجهة التحديات المتعددة. إذا غرقت حركة الاحتجاج الحالية في الانهيار المالي ، أو التحول إلى العنف ، أو كليهما معاً، فإن مصالح الأمن القومي الأمريكي ستتعرض كذلك لتهديد كبير.
لقد تم اختبار هشاشة لبنان بشكل متزايد ، ليس فقط بسبب الأزمة المالية التي تلوح في الأفق ولكن أيضًا نظرًا للآثار الجانبية للنزاع في سوريا المجاورة. يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين للفرد في العالم ، بما في ذلك ما يقدر بمليون لاجئ سوري. كما يجب أن يظل متيقظاً ضد تهديد داعش المنبعث من جديد وكذلك تنظيم القاعدة وفروعه. في هذه الأثناء ، يسعى حزب الله الجريء إلى زيادة نفوذه في لبنان.
بالنظر إلى المخاطر ، من الضروري أن تمضي الولايات المتحدة بحكمة وحذر في هذا المنعطف الحساس وذات الخطر المحتمل على للبنان. يجب أن تسترشد الانخراطات الأمريكية بمبدأين أساسيين: (1) الانخراط في المكان الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بأفضلية نسبية ؛ (2) الامتناع حيث ضرر الوجود الأمريكي أكثر من نفعه.
الانخراط: يجب على الولايات المتحدة أن تصقل مؤسسات الدولة التي ستكون بمثابة الأساس لديمقراطية نابضة بالحياة وتعزيز مرونة لبنان المشهورة ولكن المتآكلة بشكل سيئ. وعلى وجه التحديد، ينبغي على الولايات المتحدة:
العمل مع فرنسا ودول رئيسية أخرى للضغط على سماسرة السلطة الطائفية في لبنان لتشكيل حكومة بشكل عاجل لمجلس من الخبراء المختصين والمستقلين لمعالجة الانهيار المالي الوشيك. ليس للبنان الأشهر التي يستغرقها عادة لتشكيل حكومة. ولا يمكنها الاعتماد على صفقة الوضع القائم بين القادة الطائفيين لتعيين واحدة خاصة بهم. أوضح الشارع اللبناني أنه لن يوافق على “العمل كالمعتاد” ، ولن تقوم حكومة الوضع الراهن باستعادة ثقة المستثمرين التي تمس الحاجة إليها. بدلاً من ذلك ، يجب على القادة الطائفيين في لبنان اتخاذ الخطوة الأولى للخروج من الأزمة الحالية من خلال جلب المستقلين ذوي الجرأة والمهارة (أي غير المنتسبين إلى أي حزب سياسي) الذين لا يشوبهم الفساد بشائبة – لا يوجد نقص فيهم – الذين يمكنهم بدء العمل العاجل المتمثل بإخراج لبنان من هذه الأزمة.
إشراك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ودول سيدر الرئيسية (فرنسا ، ألمانيا ، المملكة العربية السعودية ، الكويت) لتطوير حزمة تمويل طارئة مشروطة بالإصلاحات المناسبة والضرورية. بمجرد تشكيل حكومة مختصة ، سيحتاج لبنان إلى الانخراط فوراً مع المجتمع الدولي للتفاوض بشأن شروط حزمة التمويل. يجب أن تكون خطة الإنقاذ المالي هذه مشروطة بإصلاحات هامة وإجراءات تقشفية مع ضمان شبكة أمان لحماية اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، والذين تُقدر نسبتعم حاليًا بـ 28 في المائة. القيادة اللبنانية الحالية غير راغبة في تبني الإصلاحات اللازمة للوصول إلى التمويل بقيمة 10 مليارات دولار لتحسين البنية التحتية المتفق عليها في مؤتمر سيدر في نيسان من عام 2018. يجب أن تكون الحكومة المستقلة مستعدة للمضي قدماً في هذا الإصلاح.
الحفاظ على المساعدات الاقتصادية الأمريكية للبنان. لعبت المساعدات الاقتصادية الأمريكية الحالية البالغة 110 مليون دولار دورًا مهمًا في دعم المجتمعات المحلية التي تستضيف اللاجئين السوريين. عززت المساعدات الأمريكية أيضًا نظام التعليم العام المثقل بالأعباء في لبنان ، مما ساعد على توفير مساحة للأطفال السوريين بالإضافة إلى عدد متزايد من الطلاب اللبنانيين الفقراء.
إلغاء تجميد مبلغ 105 ملايين دولار من المساعدات الأمنية الأمريكية. ربما تكون القوات المسلحة اللبنانية مؤسسة الدولة الأكثر احتراماً في لبنان وتحظى بدعم شعبي قوي. في الظروف الحالية، تصرفت بشكل احترافي، وبشكل أساسي قامت بحماية المتظاهرين. من خلال التدريب والدعم الأمريكيين ، واجهت التهديدات المتطرفة داخل لبنان وعززت ضبط الحدود مع سوريا. دعم الولايات المتحدة المستمر ضروري لبناء لبنان القوي المقاوم للقوى المتطرفة من الخارج أو في الداخل.
إعادة تمويل الولايات المتحدة لدعم الانتخابات. إذا مضت البلاد قدما بقانون انتخابي جديد وانتخابات مبكرة، ستكون مساعدة الولايات المتحدة للتدريب ومراقبة الانتخابات مهمة. سيكون للمراقبة اللبنانية والدولية الأثر الأكبر إذا تم وضع إطار للمراقبة في بداية فترة ما قبل الانتخابات – بما في ذلك مداولات الإصلاح الانتخابي ، ثم التركيز على توعية الناخبين وتسجيل المرشحين والناخبين و الحملة الانتخابية.
استكشاف تقديم المساعدة الأمريكية لدعم قضاء مستقل. يجب أن تتناول الاستراتيجية التي تركز على إنشاء مؤسسات قوية ومستقلة للدولة الجهود المبذولة لبناء قضاء مستقل في لبنان. كما هو الحال مع الركائز الأخرى لنظام الحكم في لبنان ، فإن القضاء يعاني من التدخل السياسي ، والزبائنية والفساد. إن انتخاب مرشح مستقل لرئاسة نقابة المحامين في 17 تشرين الثاني، وهزيمة مرشح تدعمه جميع الأحزاب السياسية اللبنانية ، هو انتصار مهم لاستقلالية القضاء. يجب على الولايات المتحدة النظر في مساعدة إضافية لدعم هذه الجهود.
الامتناع: يجب على الولايات المتحدة مقاومة إغراء دعم المتظاهرين بشكل مباشر. لقد كان المتظاهرون منتظمين إلى حد ما في رفضهم للتدخل الخارجي. رفضت بعض مجموعات المجتمع المدني مقابلة المبعوث الفرنسي في الأسبوع الماضي واستهزأت بالرسائل التي بعثت بها جهات خارجية فاعلة. حتى نفحة التدخل الخارجي يمكن أن تشوه حركات الاحتجاج الشعبية، مما أدى إلى ظهور نظريات المؤامرة بأن المتظاهرين مملوكون لقوى خارجية بأجنداتهم الخاصة. زعيم حزب الله حسن نصر الله، المهدَّد بشكل جوهري من المظاهرات، قد اتهم القوى الخارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات وسعى إلى توريط الولايات المتحدة بأنها وراء الأزمة المالية.
وبالمثل ، فإن الاستراتيجية التي تسعى إلى استغلال الاحتجاجات لمطاردة حزب الله من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية. إن السعي لتحويل الاحتجاجات إلى هراوة ضد حزب الله وإيران سيضمن فعليًا الانحدار إلى العنف والفوضى. من الواضح أن نصر الله يُثار من المظاهرات التي وقعت في معاقل حزب الله ، مما يشير إلى استياء جمهور دائرته الانتخابية إزاء القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
بصفته المستفيد الأول من الوضع الراهن، فإن حزب الله سيخسر بشكل كبير إذا تم تلبية مطالب المحتجين. لقد تمكنت المجموعة الشيعية المتشددة من قيادة النظام الطائفي اللبناني بخبرةٍ للحصول على المزيد من السلطة مع القليل من المساءلة ، رافعةً شعارات المقاومة، بينما تهندس وتتلاعب بنظام الحكم اللبناني وراء الكواليس. لقد ازدهرت في نظام يتميز بسوء الإدارة وسوء تقديم الخدمات والفساد المستشري. إن وجود نظام جديد للحكم في لبنان قائم على المثل العليا المدنية القوية والمؤسسات الخاضعة للمساءلة والمتجاوبة والشاملة من شأنه أن يقوض بشكل كبير نفوذ حزب الله.
في الواقع ، يلاحظ بعض المراقبين أن حركة الاحتجاج يمكن أن تقلل من نفوذ حزب الله بطرق لم تتمكن السياسة الأمريكية من تحقيقها. وقد أظهر جدار الخوف حول انتقاد حزب الله بعض التشققات ، حتى في أوساط الطائفة الشيعية، حيث أن البعض انتقدوا صراحة الحزب. علاوة على ذلك ، مثلما يتعرض الزعماء الطائفيون الآخرون للنيران ، فإن اللازمة الشعبية “كلن يعني كلن” في إشارة إلى القيادة اللبنانية الحالية كلها قد سقطت على نصر الله أيضًا. إذا سمح لها بلعب دورها، فإن الديناميات التي تدفع حركة الاحتجاج يمكن أن تقلل من قبضة حزب الله على المجتمعات المحلية. من الأفضل ترك تلك القوى العضوية تلعب دورها، بدلاً من أن التدخل وإحباط الزخم.
مداخلات منى يعقوبيان
أحد أعضاء اللجنة يسألها: كيف يمكن للولايات المتحدة تقوية زخم الإحتجاجات؟
تجيب: أعيد التأكيد على أن حزب الله قد تأثر بالإحتجاجات بسبب مشاركة البيئة الشيعية بها كما وشهدت مناطق شيعية مظاهرات وتنتقد الحزب ونصرالله. جدار الخوف قد تصدع. وهذا أمر هام. أعتبر أن قوة الإحتجاجات هي في لبنانيتها. وينبغي على الولايات المتحدة عدم التدخل مباشرة لأن ذلك سيرتد سلباً عليها. يمكنها دعم تحقيق مطالب المحتجين من خلال دعم مؤسسات الدولة ومكافحة الفساد فذلك يستطيع تقويض حزب الله أكثر بكثير من توجيه المظاهرات مباشرةً ضده واستطراداً ضد إيران.
وفي الإجابة على الأسئلة الموجهة من بقية أعضاء اللجنة، تحدثت عن أهمية دعم الدول الكبرى لتحقيق أهداف المتظاهرين في لبنان وصولاً إلى إجراء إنتخابات مبكرة.
كما تحدثت عن خطورة النظام الطائفي والفساد المستفحل والمتفشي في كل شي في الدولة (العقود، الأعمال، …) مسلطةً الضوء على ضرورة مواجهته بالشفافية والوضوح كأفضل دواء له.